نقد سينمائي: نيويورك مجازاً
27 يناير 2013

بقلم ألكسندر وود
يتهادى صوت غناء شابة صغيرة في الأجواء، بينما ننتقل شيئاً فشيئاً إلى الشعر الذي يبحث في الموت وسقوط أوراق الشجر في فصل الخريف. هذا الاستخدام الرمزي للشباب والاضمحلال هو ما يوجّه الفيلم بأكمله ويؤثر في كل لحظة يقظة تمرّ على البطل والكاتب المسرحي الكئيب كايدن كوتار (فيليب سايمور هوفمان). في بداية الفيلم يقول كايدن “إنها بداية أمر فظيع“، وعلى الرغم من أن تجربة مشاهدة الفيلم أبعد ما تكون عن “الفظاعة“، فإنها تضع أمام المشاهد مجموعة من الأحداث التراجيدية التي تتداخل مع عدد من القصص. ليس من الصعب عدم ملاحظة التعقيد الذي تتمتّع بها قصة “نيويورك مجازاً“، كما أن المستويات المتعددة لطريقة سرد الأحداث تحدّدها فقط العناصر السوريالية في الفيلم.
أينما نظرنا في الفيلم هناك علامات موت، من مقالات الصحف والرسوم الكاريكاتورية إلى الاعلانات التلفزيونية، كلها تلمح إلى حتميّة الموت. وعلى الرغم من الأمراض المزمنة التي يعاني منها كايدن، فإن صعوبة حياته صعوبة يكتنفها الابداع. ولولا عمله كمدير مسرح ومحاولته تأليف مسرحية صادقة وحقيقية لا تذهب بسهولة طي النسيان، ليس بطلنا سوى ظل رجل. طبيعته هذه الابداعية تؤدي به إلى إبطاء تدهور حالته لكنها تعطيه سبباً يعيش من أجله.وعلى الرغم من محاولته إخراج هذه المسرحية، غير أن كايدن يتعرّض باستمرار لأمور كثيرة خارجة عن سيطرته، منها حياته في عالم مشبع بعناصر سوريالية، تتحدّى المنطق والعقل. تناقشه هايزل (سامانثا مورتن)، إحدى حبيباته، في أمر شراء بيت يحترق باستمرار. يظهر سمسار عقارات في أحد المشاهد، وهو يسوّق للمبنى المتداعي، لكن أحداً لا يذكر النار التي تتصاعد من الجدران. هذا هو العنصر السوريالي الأول الذي يقابل المشاهد في الفيلم. وبواسطة هذه الخطوة، يتحوّل اتجاه الفيلم من مسارٍ معيّن نحو الوجهة التي تحلو له. موت والد كايدن أيضاً محاط بالسوريالية، حيث يتم دفنه في تابوت صغير نظراً لمدى مأساوية وفاته. أما العنصر السوريالي الثالث في الفيلم فهو الذي يحرّك الحبكة، ونراه حين يبدأ كايدن بقراءة مذكرات ابنته، التي تبدأ بشكل طبيعي وتتحول إلى نص يتخطّى الزمن . وفي كل مرة يلجأ فيها كايدن إلى المذكرات ليعرف المزيد عن حياة ابنته، يقوم الدفتر بتحديث القصة عبر مشهد حالي من حياتها – هذه المذكرات تقع تماماً خارج بنية الزمن والواقع. إنها في مقام المونولوج السوريالي الذي يربط البطل بعالم لم يكن ليختبره لولاها.
أما أسعد يوم في حياة كايدن فهو حين يقضي ليلة مع هايزل. فأخيراً، وبعد أن تتحقق له تجربة واقعية- تموت هايزل بعد استنشاقها الدخان. المنزل المحترق هو المشهد الأول الذي يفتتح العناصر السوريالية في الفيلم وفي النهاية يكون السبب في تدمير سعادة كايدن. يصوّر الفيلم الظروف المأساوية التي يعيشها البطل الذي يدّعي بأنه “لا يشعر أنه بخير“، ثم يتضح لنا طوال الفيلم أنه في حالة اضمحلال مستمرة. يختبر كل شيء من تكلّم صنبور المياه معه، والتقرّحات على جسده وعدم قدرته على إنزال الدموع، فيصبح كل ذلك مثيراً للضحك. هذا الهجوم المستمرّ للعناصر السوريالية غير المؤذية، يؤثر على بنية القصة في الفيلم.
أما مستويات القصة المختلفة، فهي الأجزاء الأكثر تميّزاً وصعوبةً أثناء مشاهدته. بينما يبدأ كايدن بابتكار مسرحية ملحمية، يتجلّى للمشاهد مستوى جديد لقصص محتملة. تبدأ المسرحية بالتحوّل إلى الحياة، لتصبح عضواً من تجربة بشرية لا حدود لها. يحدث آخر أعماله في مخزن ضخم—وهذا يسمح له بنقل عناصر من العالم الحقيقي عبر أربعة مستويات مختلفة للقصة. كل شخصية تؤثر على أخرى، مما يساعد مسرحية كايدن على اتخاذ حجم كبير لدرجة تستهلكه فيها وتوجّه حياته عبر سماعة أذن.
بنية القصة والمشاهد السوريالية تقدم تجربة صعبة للمشاهد، تجبره على استيعاب التعقيد في عملية إخراج الأفلام. هذا الفيلم هو تجربة مميزة مليئة بالموت والفكاهة.
video#1