المدوّنة

العودة الى القائمة

أهل السينما: كوثر بن هنية

06 سبتمبر 2011

درست كوثر بن هنية السينما في تونس وفرنسا، وبدأت العمل مؤخراً على صناعة أفلام خيالية ووثائقية ذات مستوى عالمي. أنجزت العديد من الأفلام القصيرة، منها ‘أنا، أختى والشيء’ عام 2006، وقد جال بنجاح في العديد من المهرجانات العالمية. عرض فيلمها الوثائقي الأخير ‘الأئمة يذهبون إلى المدرسة’ في مهرجان عام 2010، وتم اختياره للعرض في مهرجانات عالمية أخرى، منها مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر عام 2010. عملت كوثر أيضاً في لجنة المشاهدة بقناة الجزيرة الوثائقية بالدوحة من العام 2006- 2007.

تنهي كوثر حالياً إخراج 120 حلقة من سلسلة الرسوم المتحركة ذات الأبعاد الثلاثية تحت عنوان ‘برج العلوم‘، لقناة الجزيرة للأطفال. كما تعمل على فيلمها الوثائقي الثاني ‘زينب تكره الثلج‘، مع شركة سيني تيليفيلم للانتاج.


إعلان فيلم – ‘الأئمة يذهبون إلى المدرسة’

مؤسسة الدوحة للأفلام: عالج فيلمك الوثائقي ‘الأئمة يذهبون إلى المدرسة’ زاوية جديدة في موضوع تحديث الاسلام في فرنسا: برنامج منظم في فرنسا، يقضي بأن تقوم المؤسسات الكاثوليكية بتثقيف الأئمة الصاعدين حول العلمانية والفصل الحازم ما بين الكنيسة والدولة. ما الذي دفعك لاختيار هذا الموضوع، وما الذي أضافته لكِ هذه التجربة؟

كوثر: حين سمعت بهذا البرنامج، تفاجأت وأدركت أنه موضوع مميّز. لذا ذهبت للقاء الطلاب، وزرت المؤسسة الكاثوليكية، ثم صوّرت كل المواد البصرية اللازمة للفيلم على مدى عاميْن. وقد تسنّت لي الفرصة، حين كنت أصوّر مجموعة الطلاب خلال هذا التدريب الفريد من نوعه، أن أؤرخ هذا التبادل الفكري بين الأساتذة والطلاب حول إمكانية علمنة الاسلام. وقد كان تصوير الأئمة وهم يتلقون التدريب على يد الكاثوليكيين، هو عنصر الغرابة في هذا الفيلم، لا سيما أنه سمح بالتعبير عن العديد من التناقضات الموجودة في المجتمع الفرنسي اليوم وفي العالم الذي نعيش فيه. كانت فرصة أن ألقي الضوء على مجموعة صغيرة من الأئمة الطلاب الذين يعالجون هذه القضايا الهامة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: تهانينا على التمويل الذي حصل عليه فيلمك “شلاّط تونس”. أخبرينا المزيد عن هذا الفيلم.
كوثر: شلاط تونس هو فيلم مستوحى من قصة احتلت الصدارة في نشرات الأخبار التونسية لفترة من الزمن. منذ عدة سنوات، ظهر رجل يتجوّل في الشوارع على دراجة نارية صغيرة، حاملاً بيده موس حلاقة، وكان يعتدي بواسطته على النساء اللواتي يسرن على أرصفة الشوارع. وقد تمكّن الرعب الذي نشره الشلاط من تغيير طريقة لباس النساء التونسيات بشكل مؤقت. وقد أصبح شلاّط وجهاً أسطورياً يبعث الكثير من الرعب، والدهشة، ويداعب الخيال. يبدأ فيلمي بعد مرور سنوات على الثورة التونسية. أتخيّل فيه أنه تم الافراج عن شلاّط، فأنطلق أنا في رحلة البحث عنه. وبالتحرّي عن هذه الأسطورة الحية من الداخل، أريد أن أكشف النقاب عن نوعية القصص الأسطورية التي ستُروى عن مجتمعنا، وثقافتنا وهويتنا. أريد أن آخذ المشاهد في رحلة مسلية في أنحاء مجتمع، تنوء فيه المعلومات تحت وطأة الرقابة، ويبقى فيه جسد المرأة موضوعاً يؤجّج النقاشات السياسية.

مؤسسة الدوحة للأفلام: لماذا اخترتِ الاخراج السينمائي؟
كوثر: نشأت في سيدي بوزيد (بلدة صغيرة وسط تونس، ذاع صيتها أثناء الثورة)، ولم تكن فيها دور سينما. وكانت القنوات التلفزيونية تكتظ بالمسلسلات المصرية والمكسيكية، لذا قضيتُ كل وقتي وأنا أقرأ الروايات. كان الأدب أكثر توفراً من الأفلام الجيدة. وقد استوحيت شغفي برواية القصص من الكتّاب الكبار، حيث اكتشفت دوستويفيسكي قبل تاركوفسكي ، وسيرفانتيس الذي اكتشفته قبل “بونويل”:http://en.wikipedia.org/wiki/Luis_Buñuel

وحين كنت طالبة في تونس، التحقت باتحاد المخرجين الهواة التونسي، حيث تعلّمت الطثير حول أفلام الهواة، الذين يحاولون رواية قصصهم بميزانيات منخفضة، وفي ظل انعدام المعدات والأدوات اللازمة للانتاج. كانت تجربة رائعة. لذا قررت أن أصبح مخرجة. خضعت للكثير من التدريبات على الاخراج السينمائي في معهد سينما خاص في تونس، كي أتمكن من إتقان الجانب التقني للاخراج. ثم تم قبولي في المعهد الفرنسي الضخم (لا فيمي) كي أتدرّب على كتابة السيناريو. ثم حزت على شهادة ماجستير في السينما من جامعة السوربون.

مؤسسة الدوحة للأفلام: هل أمّنت لكِ دراستك الاحاطة بكل ما ترغبين بمعرفته سينمائياً؟
كوثر: كل دراساتي السينمائي صقلت دوافعي الداخلية لرواية القصص. أصبحت أعرف الكثير عن التجارب السينمائية الأخرى، لكن هل يمكن تعلّم الفن؟ كلا. نعم. ربما قليلاً، من يدري؟ لطالما شعرت بالزيف في أية عملية لتدريس كيفية الابداع.

مؤسسة الدوحة للأفلام: كيف تساهم السينما في بناء المجتمعات، برأيكِ؟
كوثر: إن السينما تجعلنا نعيش مشاعرنا من خلال الشخصيات ومن خلال القصص، فهي تنفيس مرئي عمّا بداخلنا يوفرلنا كل ما نحن بحاجة إليه من دعم عاطفي. لطالما أثرت الصناعة السينمائية العالمية على نفسية المشاهد؛ فالسينما لديها تأثير هائل على عامة الناس، لذلك هناك مسؤولية كبرى على عاتق صنّاع الأفلام.

ليست لدينا صناعة سينمائية في العالم العربي، إنما بعض الأفلام التي يتم إنتاجها هنا وهناك، وتخرج إلى الجمهور بعد مواجهة صعوبات عدّة (كضعف الميزانية، والرقابة، وغياب التوزيع الجيد). أشعر حقاً بالحزن عندما أقارن الكم الهائل من القنوات التلفزيونية بعدد دور العرض في العالم العربي.

إن مجتمعنا المعاصر يفيض بالمعلومات وبالمواد المرئية والمسموعة، لكننا بحاجة إلى تعبير أعمق عن المجتمع. السينما تعطينا على الأقل المساحة والوقت للفهم والاختبار، أمّا التلفزيون فهو يمثل النزعة الاستهلاكية للصور الراهنة للأمور التي ننساها، فهو يمهد الطريق أمام فقدان الذاكرة في حين أن السينما هي ذاكرتنا الدائمة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: كيف أثّرت الثورة التونسية عليك كمخرجة؟
كوثر: أنا أدين كثيراً للشباب التونسي الذي قام بهذه الثورة السلمية، أدين له لأنه أعاد لنا حرية التعبير. قبل 14 فبراير 2011، كانت الشرطة تشتبه مباشرةً بأي تصوير يتم في الشارع، فهي التي كانت تملك الشوارع، وتصوير الحقيقة كان يتم دوماً من وجهة نظر الدعاية الرسمية التابعة لنظام بن علي.

أثناء الثورة، يبدو أن كل التونسيين أصبحوا صانعي أفلام بفضل هواتفهم النقالة. نشرت الكثير من الصور للذين قتلوا في كل من سيدي بوزيد، القصرين وتيللا، على الانترنت.

الرواية الرسمية كانت سخيفة، فاضطر التونسيون إلى عرض صورهم الخاصة أي حقيقة واقعهم، فقد كانت الثورة مرئية بشكل كبير وقد رآها الجميع، وأعتقد بأنها كانت الأولى من نوعها في العالم.

مؤسسة الدوحة للأفلام: أنت بصدد إنتاج الوثائقي الثاني الخاص بك ‘زينب تكره الثلج’ ما هي قصته؟
كوثر: هذا الوثائقي هو عبارة عن قصة حب، تُروى من وجهة نظر “زينب” ذات الأعوام التسعة التي فقدت والدها إثر حادث سير، فأغرمت والدتها مرة جديدة وكانت تستعد لبناء حياة جديدة مع رجل آخر في كندا. ويروي الفيلم قصة الرحلة من تونس إلى كندا مضيئاً على بعض المفاهيم الهامة، كالعائلة، والتبعية، والذكريات والطفولة. إنه وثائقي حميم يُروى من خلال الاستعانة بالعديد من الأدوات الإبداعية كالرسوم المتحركة مثلاً.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي القصص التي ترغبين بروايتها؟
كوثر: أنا أحب الأفلام الوثائقية، وأحب أيضاً أن أشعر بأن واقعنا غني بالموضوعات، لكنني أودّ أيضاً أن أصنع الأفلام الخيالية، الدراما التاريخية وأفلام الاثارة. في الواقع أرغب في رواية العديد من القصص لكن المشكلة تكمن في أن صناعة الأفلام تستغرق وقتاً طويلاً (سنتين كحد أدنى)، وإذا أردت صناعة فيلم واحد كل سنتين، فلن أستطيع قول كل ما أودّ قوله.

مؤسسة الدوحة للأفلام: من هو المخرج، أو الفيلم الذي ألهم خيالك؟ ولماذا؟
كوثر: عندما كنت أعمل على فيلم ‘الأئمة يذهبون إلى المدرسة’ شاهدت أفلام عدّة كفيلم ‘نانوك ابن الشمال’ لروبرت ج. فلاهيرتي، وفيلم ‘المدرسة الثانوية’ للمخرج فريدريك وايزمان، وفيلم ‘طوفان في بلاد البعث’ للمخرج عمر أميرلاي . فقد كان من المهم بالنسبة إلي معرفة كيف يصوّر هؤلاء المخرجين الواقع من دون التعليق عليه أو حتى نقده.

عندما قمت بكتابة سيناريو “شلاط تونس“، شاهدت أفلاماً كفيلم ‘منتزه العقاب’ للمخرج بيتر واتكنز، وفيلم ‘زيليغ’ للمخرج وودي ألن، و فيلم ‘دكتور ستراينج لوف’ وفيلم ‘كيف تعلمت أن أكف عن القلق وأحب القصف’ للمخرج ستانلي كوبريك. وكان مثيراً للاهتمام أن ألحظ من خلال هذه الأفلام كيفية استخدام جماليات الأفلام الوثائقية للحديث عن موضوعات مهمة بطريقة مضحكة وساخرة.

هناك عدد كبير من صناع الأفلام الذين ألهموني أمثال غوس فان سانت و لارس فون ترييه و كيم كي داك و“تساي مينغ لانغ”:http://en.wikipedia.org/wiki/Tsai_Ming-liang .هؤلاء المخرجين (وبالطبع آخرين أيضاً) لديهم أسلوب خاص برواية قصص رائعة برؤية قوية وطريقة مبتكرة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي الرسالة التي تودين توجيهها إلى المبتدئين في صناعة الأفلام؟
كوثر: التواضع وتجنب الثقة المطلقة أساسيان، وحده الشكّ باستطاعته أن يدفعنا لأن نكون أفضل كمخرجين وكبشر.

blog comments powered by Disqus