المدوّنة

العودة الى القائمة

أهل السينما: أحمد غصين

04 أكتوبر 2011

أحمد غصين هو مخرج وفنان فيديو، حائز على بكالوريوس في الفنون المسرحية من الجامعة اللبنانية. فاز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان بيروت الدولي للسينما في العام 2004 عن فيلمه القصير ‘العملية رقم…’. قام بإخراج عدد من الأفلام الوثائقية والروائية منذ ذاك الحين، من بينها ‘أبي مازال شيوعياً… ذكريات حميمة للجميع’ بدعم من مؤسسة الشارقة للفنون، والذي يشارك في مسابقة الأفلام العربية بمهرجان الدوحة ترايبكا للعام 2011. كما قام بإخراج ’210 متر’ بدعم من “أشكال ألوان“، بنسخته الأولى، بالإضافة إلى وثائقي بعنوان ‘عربي في المدينة’ صوره في الدنمارك. يُذكر أن أحمد هو أحد مؤسسي المسرح الراقص في بيروت “مقامات”.

مؤسسة الدوحة للأفلام: من المسرح إلى السينما، أين تجد نفسك عموماً؟
أحمد: المسرح هو الاختصاص الذي درسته في الجامعة، ولا أستطيع القول إنني انتقلت من المسرح إلى السينما لأنني أعمل في المجاليْن منذ خمسة أعوام، وهما عالميْن مختلفين من كافة النواحي. لقد عملت في مسرح التعبير الجسدي أكثر، لأن التواجد على خشبة المسرح يشعرني بمتعة فريدة. وقد ساعدتني دراسة التمثيل كثيراً، لأنها علمتني كيفية تجسيد الشخصيات على اختلاف أنواعها والكتابة عنها. أعتبر نفسي مخرجاً لأنه المكان الذي تمكنت فيه من التواصل مع نفسي. عندما كنت في الجامعة، أصبحت مهووساً بالسينما، وقد فاز فيلم تخرجي بجائزة أفضل فيلم. بالإضافة إلى كل ذلك، فإن دراسة السينما في لبنان متاحة فقط في الجامعات الخاصة، والتي لم أكن قادراً على تحمّل تكاليفها.

مؤسسة الدوحة للأفلام: يبرز في أفلامك الميل لتحويل الأحداث العامة إلى قصص شخصية، هل تلهمك الذاكرة الجماعية من قلب لبنان؟
أحمد: إن القضية الأساسية التي تشغل المخرج، هي العمل على معالجة التعقيدات البشرية. ونحن نواجه هذا الأمر في لبنان بفعل أحداث الحرب، والسياسةالتي تملك ترتّبات قوية على المجتمع. قد يشكّل هذا الأمر مصدر إلهام، إلا أن العمل يجب ألاّ يكون عبارة عن مجرّد ردة فعل لما اختبرناه وعايشناه على أرض الواقع، إلا في حال قصدنا ذلك . خلال حرب تموز 2006، تواصل صناع الأفلام بهدف العمل على فيلم يمثّل رد فعل واضحة ومباشرة على الحرب. تكفلت بجزء منه وقمت بتصوير فيلم قصير. استغرقت عاماً ونصف العام كي أتمكن من النظر إلى المشاهد التي صورتها. فقد انتظرت أن أصبح جاهزاً للتعامل بموضوعية أكبر مع الصورة وأطرح أسئلة أعمق، وابتكار بعدٍ آخر للمعنى. إن ما قمت به لم يكن متعلقاً بالحرب فحسب، بل بالفجوة الزمنية اللازمة للخروج من تحت الأنقاض، والانتقال إلى الذاكرة الجماعية حول الأحداث. الجميل في السينما أنها تمكننا من معالجة قصص شخصية، وهي الطريقة الفضلى لإطلاع الجمهور على الأحداث العامة الكبرى، بعيداً عن التلقين المباشر. أعتقد أن تحويل الأحداث العامة إلى قصص شخصية يساعدني ويساعد الجمهور على التوصّل إلى معانٍ أكثر عمقاً.

مؤسسة الدوحة للأفلام: لقد أحييت الماضي من خلال أرشيف فيلمك الوثائقي ‘أبي ما زال شيوعياً‘، والذي نتطلع إلى مشاهدته هذا العام في مهرجان دوحة ترايبكا للأفلام. هل تحاول إعادة ابتكار نسختك الخاصة للتاريخ المعاصر؟

أحمد: الاستعانة بالأرشيف، لا تعني أنك تعيد إحياء الماضي، إنما تنشّط الذاكرة لأن تريد أن تقول شيئاً آخر. لقد وجدت في قبو منزل أهلي خمسين ساعة من التسجيلات الصوتية التي كانوا يرسلونها إلى بعضهم البعض كرسائل حب عندما كان والدي يعمل خارج البلاد. يمكننا القول إنهم قاموا بتسجيل تفاصيل حميمة من حياتهم حياتهم في ظل ظروف سياسية واجتماعية قاسية. هذا الارشيف هو القصة الأساسية. القصة التي سرقت أحلام وشغف جيل خسر نضاله السياسي. لم أحاول إعادة ابتكار أي شيء جديد، لا سيما أن التاريخ مؤرخ في قصص شخصية، والماضي هو دائماً أقوى من المستقبل. التحدي الأكبر كان الوقوف بوجه الحقيقة (الأرشيف) بهدف الإضاءة على القصة الخيالية.

مؤسسة الدوحة للأفلام: انتقلت من الشرق الأوسط إلى الدنمارك من خلال فيلمك الوثائقي ‘عربي في المدينة‘، هل يمكنك أن تحدثنا أكثر عن هذا الوثائقي وما دفعك إلي القيام به؟
أحمد: في العام 2007، دعيت إلى كوبنهاغن لإنجاز وثائقي يتناول الجيل الثاني من المهاجرين العرب، والصعوبات التي تواجههم ومشاكل الاندماج. كان من المفترض أن أعمل مع مخرج دنماركي، وكانت تجربة القيام بدور مساعد مخرج، جديدة ومثيرة بالنسبة إلي. وكان التحدي يكمن في كيفية التطرق إلى موضوع مطروح بكثرة. اتفقنا على البدء بتصوير عملية البحث، فبدأ المصور بتصويري وأنا أقوم بتصوير الشخصيات. إن التحدث بلغة هؤلاء المراهقين العرب الغاضبين ساعدني على فهمهم بشكل أكبر كما على الغوص في مشاكلهم وأحلامهم. أمّا الدافع فكان الإضاءة على جيل فقد هويته، لنجد أنفسنا وبشكل تدريجي جزءاً من هذا الصراع. كان جورج المخرج الدنماركي يحاول أن يدافع عن مجتمعه، بالمقابل كنت أسعى لإيجاد مبررات كافية لتبرير صراع الهوية الذي يعاني منه هؤلاء المراهقين.

برزت ذروة الفيلم عندما تبعت أحدهم إلى السجن بسبب طعنه خمسة مراهقين دنماركيين تصرفوا بشكل عنصري معه. يحكي هذا الشاب سبب ضياعه، ولماذا يشعر بغربته في الدنمارك أو في أي مكان آخر. لقد كان صريحاً وصادقا جداً لدرجة أنه أربك موقفنا منه كشخص مرتكب لجريمة. عرض الفيلم في السينما والتلفزيون الدنماركي الوطني، وحظي ب 500 ألف مشاهدة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: تهانينا على التمويل الذي حصلت عليه من مؤسسة الدوحة للأفلام لفيلمك “رأسا على عقب”. ما هي قصة الفيلم؟
أحمد: شكراً جزيلاً. تدور أحداث الفيلم خلال حرب تموز 2006 في لبنان. يذهب مروان، الشخصية الرئيسية، إلى قريته في جنوب لبنان أثناء هدنة بحثاُ عن والده الذي رفض الهروب مع عائلته. عند وصوله يكتشف أن منزله تهدّم كلياً. وهناك يلتقي برجل آخر يأخذه إلى مخبأ تحت الأرض يحتمي فيه مع رجل آخر. ينضم إليهم فيما بعد رجال كبار في السن ونساء في متوسط العمر للاختباء.لا يعود بإمكان مروان الرحيل، بعد هبوط الليل، لا سيما أن الجيش الإسرائيلي أوشك على احتلال القرية. في هذه الأثناء يقتحم سبعة جنود إسرائيليون الطابق الأول من المبنى وهو يجهلوم أن الأبطال الخمسة مختبئين في الأسفل. وفي ظل هذه الظروف، لا يعود هؤلاء الأشخاص سجناء مخبئهم، إنما رهائن مخاوفهم وقلقهم جراء هذا الوضع السوريالي.

بعد مضي ثلاثة أيام، يتطوّر هذا الموقف الغريب بسرعة إلى صراع وجودي بين المدنيين بناءً على تجاربهم الشخصية ونقاشاتهم السياسية. لا تفصلهم سوى عشرة سنتيمترات من الإسمنت عما فوقهم، ونتيجة لذلك تتطور الحالة الاجتماعية للخمسة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: في حال طلب منك تصنيف نفسك، في أي فئة تضع نفسك كمخرج؟
أحمد: أقوم بإخراج أفلام خيالية، ووثائقية وأفلام الفيديو آرت، بحسب المشروع والأفكار التي أنوي العمل عليها. في بعض الأحيان، أكسر الحواجز بينها جميعاً، وكل شيء يعودإلى بطريقتك في إخبار قصتك وما الذي تريد أن تظهره الصورة، وإلى الميزانية المتوفرة بالطبع.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي الأفلام أو صناع الأفلام الذين ألهموا خيالك؟ ولماذا؟
أحمد: إنه سؤال صعب، لا سيما إني شاهدت العديد من الأفلام، وهناك عدد كبير من المخرجين الرائعين، إن تاريخ السينما مليء بالتحف السينمائية. يمكنني ذكر عشرة أفلام اليوم، ولكنها قد تتتغير خلال عام واحد.

أنجذب بشكل أكبر لسينما الشعراء والفلاسفة، ولذلك أنا من عشاق:
أندريه تاركوفسكي ، لويس بونويل ، مايكل أنجلو أنطونيوني ، كارل دراير ولأسباب عديدة أحب جاك تاتي ، ماركو فيريري ، و جودوروسكي.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي رسالتك لصانعي الأفلام في بداية مشوارهم؟
أحمد: أدعوهم إلى مشاهدة الفيلم المصري الليمبي، ثم إلى مشاهدة نقيضه “النحت في الزمن” للمخرج أندريه تاركوفسكي. لن يتمكنوا من تغيير شيء في العالم، ولكي يتمكنوا من إنتاج الأفلام في منطقتنا، يعني أن عليهم الأخذ بزمام المبادرة وعدم الاكتفاء بالجلوس والانتظار.

blog comments powered by Disqus